الصفحة الرئيسية » الأمس حضرت تخرج دفعة “أنا ونحن”

الأمس حضرت تخرج دفعة “أنا ونحن”

الأمس حضرت حفل تخرج دفعة “أنا ونحن” وكان معنا مندوب من الجهة المانحة الأجنبية، وعرض الخريجون تمثيلية تحكي قصة أب يأتي بفلوس حرام ويقول أنه يريد أن يؤمن بها مستقبل عائلته، وزوجته ترفض المال الحرام وتتعارك معه.

بعد الاحتفالية، سألني مندوب الجهة المانحة “كيف كان إحساسك وأنت ترين أولادك  يتخرجون؟” قلت له “كنت شديدة السعادة، عندما رأيتهم وقد كبروا وأصبحوا شبابًا على أبواب الجامعة، يتكلمون عما تعلموه، كنت في غاية السعادة، ولكن بعد أن سعدت بدأت أتفكر “ماذا عملت؟ هل عندما علمتهم الأخلاق الحميدة قد ألحقت الضرر بهم بدلا من إفادتهم؟ لقد ساعدت على تكوين شخصيات إيحابية، قوية، تستطيع أن تعيش وتزدهر في مجتمعات كثيرة، منها المجتمع المتقدم ومنها المجتمع الذي لايزال في طريقه إلى التقدم، ولكن ماذا عن المجتمع الذي سيخرجون إليه الآن، المجتمع المليء بالكذب، والنفاق، والفساد، والفهلوة؟ كيف سيعيشون في هذا المجتمع؟ هل عندما علمتهم أخلاقيات وطبائع لم تعد متواجدة في مجتمعنا قد جعلتهم غير قادرين على التأقلم معه؟ هل جعلتهم مثل القط المستأنس الذي نُزعت أظافره حتى لا يتلف المفروشات في المنزل، فنتج عن ذلك أنه عندما يخرج إلى الشارع لا يستطيع أن يصطاد الفئران، أو أن يدافع عن نفسه أمام القطط الأخرى الشرسة؟ هل ألحقت الضرر بأولادي وكانت نيتي أن أساعدهم؟” هذه الأفكار جعلتني لا استطيع أن اتحكم في الدموع التيي ملأت عيني.

صعقت أن هذا الموقف المشحون بالعواطف جعلني أشك في أساس كل العمل الذي قمت به في السنوات العشر الماضية، وكأن زلزالاً قويًا جعل الأرض التي أقف عليها تهتز من تحت قدمي.

قررت أن “أنام” على هذه الأفكار. فهذه عادتي، عندما تتحكم في العواطف، غضب أو سعادة أو لخبطة عواطف، أحب أن أهدأ، وأنام عليها، قبل أن آخذ أي قرار أو أن أقوم بأي تصرف بخصوصها.

وفي اليوم الثاني، قررت أن أشرككم معي، أنتم كل أولاد “أنا ونحن”، أشرككم في فكري وفيما توصلت إليه، لأنكم عندما تخرجون إلى الحياة العملية ستواجهون مشاكل المحسوبية، والفساد، والفهلوة، وقلة النظام، وربما ستتسائلون  مثلما تسائلت، هل ما تعلمتموه ينفع في حال المجتمع الآن؟ وكان قراري الأول أن يكون أول مقال في مدونة “أنا ونحن” هو هذا الموضوع، لأنه مهم، ولأنه تكملة لـ”أنا ونحن، مجتمعنا”، وأردت أن أشرح لكم ما توصلت إليه، وهو الآتي:

أولاً، مستقبل الفرد من مستقبل مجتمعه، وإذا فكر الفرد فقط في مصلحته دون أن يفكر في مصلحة مجتمعه، فربما سيكسب في الأول، ولكن لأنه لم يراعي مصلحة مجتمعه، سينحدر المجتمع وينحدر الفرد أيضًا معه. للأسف، كثيرًا ما لا نعي هذه الحقيقة، فلا نعطيها حقها من الاهتمام ، وسأعطيكم أمثالاً حقيقية لذلك.

فمثلاً، من المعروف أن تجارة الملابس الجاهزة في العالم تجارة قليلة المكسب، ولفترة ما كانت الصين الرائدة فيها، ثم تركت الريادة للهند، والهند تركتها الآن لبلاد مثل ماليزيا وتركيا. هذا ما أخبرني به إستشاري في تجارة المنسوجات.

تحاول مصر أن تجد لنفسها مكانًا في المنافسة في تجارة الملابس الجاهزة ولكنها تفشل، لماذا؟ لأن مصاريف البيروقراطية وتسهيلات العمل من هدايا ورشاوي تجعل ثمن منتجات مصر خارج نطاق المنافسة، فعندما تدفع بعض شركات الملابس الجاهزة الرشاوي لتسهيل أمورها، هي فعلاً تسهل أمورها، ولكنها تجعل الشركات الأخرى تضطر هي أيضًا أن تسهل أمورها، فيصبح المنتج من كل الشركات المصرية غالي الثمن، ويصبح سوق الملابس الجاهزة المصري غير قادر أن ينافس منتجات البلاد الأخرى، وبالتالي بمرور الوقت الكل يخسر. وهناك أمثلة أخرى لحالات لم تفكر إلا في مصلحتها، وفعلاً كسبت، ولكن لأنها أضرت بمجتمعها، فهي أيضًا لحقها الضرر، مثال ذلك أساتذة الجامعة الذين يحابون في التعيين أبنائهم وأبناء زملائهم ولا يعينون بناء على الكفاءة، فتصبح هيئة التدريس نادي من الأقارب والأصدقاء، وليس مجمع لأكفأ الخريجين، هم فعلاً كسبوا الوظائف لأولادهم وأولاد أصدقائهم، ولكنهم لا يستطيعون إخفاء حقيقة حال الجامعة وما آلت إليه من عدم الكفاءة، فتسحب الهيئات الدولية معادلتها لشهادة الجامعة، ويلحق الضرر بالجامعة، وهم أيضًا يلحق بهم الضرر لأن شهاداتهم أصبحت لا تتعادل مع الشهادات العالمية، ولا تحترم.

من كل ذلك نصل إلى نتيجة أنه من مصلحتنا ألا نتهاون في أخلاقيات مجتمعنا. فإذا كان في استطاعتنا أن نوقف تهاون الآخرين فيجب أن نوقفه، وإذا لم يكن في استطاعتنا ذلك فأقل ما فيه ألا نمارس التهاون لأن في الآخر سيقع الضرر علينا.

ثانيًا، قد اثبتت الأبحاث العلمية مرارًا وتكرارًا أن الأخلاقيات من الشروط المهمة لتقدم الشعوب، وأن الشعب الذي يتهاون في أخلاقياته ينحدر إلى الحضيض. هذه أبحاث، وليست مواعظ يقولها الكبار للأطفال وللشباب ليحسنوا من تصرفاتهم، لا، هذه أبحاث تؤكدها الدراسات العلمية. وهنا يجب أن نوضح ما هي الأخلاقيات التي تؤثر على التقدم، فهي أشياء مثل احترام القانون، والنظام، والدقة في المواعيد، وأمانة الوقت، والادخار، والعمل الجماعي، ولكنها ليست لبس الحجاب، أو الصلاة، أو التدين، فهذه صفات شخصية.

إذا أقتنعنا بأهمية ألا نتهاون في أخلاقيات التقدم في مجتمعنا، فلننتقل للسؤال المهم: كيف نضمن حقنا في مجتمع لا يعرف إلا الوساطة ولا يبالي بالكفاءة؟

عندي نصيحتين: الأولى اسمها قانون الـ100%، والثانية اسمها قانون الإصرار والمثابرة.

لكي تتغلب على منافس تقييمه ضعيفًا، مثلاً 40%، لكن عنده وساطة، يجب أن يكون تقييمك أنت 100%، لا يكفي أن يكون 90% أو حتى 99%، يجب ألا يقل عن 100%، فالوساطة شيء قوي، وللتغلب عليها يجب أن تكون 100%، أي تهدف أن يكون عملك أفضل عمل ممكن، يجب أن يثق بك رئيسك 100%، يجب أن يطمئن 100% أنك ستقوم بعملك على أفضل وجه. هذا هو قانون الـ100%.

أما قانون المثابرة، فيقول إذا لم تستطع الوصول إلى هدفك، فلا تيأس أبداً، ولا تعاند، أي لا تعيد ما لم ينجح، لا تخبط رأسك في الحائط، ولكن عاود المحاولة مرات، ومرات، وكل مرة منهم بطريقة مختلفة إلى أن تصل إلى هدفك، فهذه هي المثابرة، هذا هو الاصرار.

وهنا قالت شهرزاد: “ثق أن النجاح سيكون دائمًا من حظ صاحب الـ100% والمثابرة، والاصرار”، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

Leave a Reply

Your email address will not be published.