الصفحة الرئيسية » ما الحل يا بلدي؟-1

ما الحل يا بلدي؟-1

قد انتهيت من قراءة قصة “باب الخروج” لدكتور عز الدين شكري فشير، ومع إنها تدعي  أنها قصة “مفعمة ببهجة غير متوقعة” إلا أنها “قبضت قلبي”، فكثير من ابطالها الثانويين إما قتلوا أو ماتوا إثر حوادث دامية، وفكرتها الأساسية أنه لمدة 9 سنوات بعد ثورة 25 يناير تعيش مصر حالة من عدم الاستقرار، ومظاهرات، وحكومات تتكون وتسقط، والفقراء يستولون على منازل الأغنياء، واسرائيل ترجع لاستعمار أجزاءًا من سيناء، ويحكم مصر أستاذ في الجامعة الأمريكية لم يكن في الأصل يريد أن يحكمها ولكن عنده رؤية واضحة عما يريد أن ينجز ليخرج مصر من محنتها، فيصبح دكتاتورًا، قاسي القلب ويشنق مائة ألف سلفي لأنه يرى أنهم يريدون أن يجعلوا مصر تتراجع إلى الوراء وتصبح “طلبانية”، وينتهي به الأمر هو أيضًا إلى حبل المشنقة، وتصبح مصر على حافة دكتاتورية الجيش بعد دكتاتورية الفرد، ولكن مجموعة شباب الثورة من الممكن أن يساعدوها.

قصة ملأتني بالحزن لما قد يصيب مصر حتى تستطيع أن تتغلب على محنتها، ولكنها أيضًا جعلتني اتفكر في ما هي مشكلة مصر الأساسية؟ أو ربما مشكلاتها؟

في الوقت الذي كنت أقرأ فيه قصة “باب الخروج”، كنت بالطبع مهتمة بحال الاقتصاد في مصر، فكلنا نعرف موضوع المساعدات الخليجية، وإنها لن تدوم إلى ما لا نهاية، وأننا يجب أن نواجه مشاكلنا ونخطط للمستقبل الذي سيأتي أسرع مما نتصور.   

زاد اهتمامي بقراءة مقالات عن الاقتصاد في الهند، وكان لاهتمامي بالهند تاريخ قديم سببه أنه في وقت من الأوقات كانت مصر والهند متقاربتين في نواحي كثيرة، فكان نظام البلدين نظامًا اشتراكيًا، وكانتا معًا في معسكر عدم الانحياز، وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بعثتا آلاف البعثات إلى الغرب، ولكن  مسار البلدين اختلف بعد ذلك، ففي الوقت الذي داومت الهند فيه على الديمقراطية، وعلى الانتخابات الحقيقية وعلى ارسال البعثات إلى الغرب، وعلى التقدم في التعليم قبل الجامعي والجامعي، وفي عام 1991 غيرت جذريًا نظامها الاقتصادي إلى الاقتصاد الحر، وابتعدت بطريقة واضحة عن الاشتراكية، وكان مهندس هذا التغيير هو مانموهان سنج، في الوقت الذي كانت هذه التغييرات تحدث في الهند، كانت مصر تداوم على نظام شبه ديمقراطي، فيه شبه انتخابات، وكانت تتأرجح بين الاشتراكية والسوق الحر، ولم تداوم على البعثات إلى الغرب، ولم تهتم بالتعليم، وكان عهد السادات عهد انفتاح دون انظمة تنظم هذا الانفتاح، وقد أوضحت بعضًا من هذا في مدونة سابقة “الهند وتقريبًا مصر” بتاريخ 28 مايو 2013.

ما أريد أن أزيد على ما قدمت من قبل وأؤكد عليه هو الاختلاف بين الهند ومصر وتأثيره على نمو أو عدم نمو الاقتصاد في كل من البلدين:

  • فمصر، مقارنة بالهند، متجانسة من ناحية السكان، واللغة والديانة، وقد نعتبر هذا التجانس صفة إيجابية لأنه لا ينتج اضطراباتًا فئوية، ولكن عدم التجانس هو أيضًا صفة إيجابية لأنه يربي صفة تقبل الآخر، ويعطي حيوية للمجتمع، وأنا ممن يحبذون الأوضاع التي تزيد من حيوية المجتمع لأنها تزيد من قابليته للتقدم. والهند مقسمة بقسوة إلى طبقات يصعب فيها الخروج من الطبقات الدنيا.
  • في الوقت الذي داومت الهند فيه على ارسال البعثات إلى الغرب، وبالأخص إلى الولايات المتحدة وانجلترا، اندثرت كثير من هذه البعثات في مصر بعد عصر عبد الناصر، وكان نتيجة بعثات الهند أن تكونت في الولايات المتحدة جالية هندية وصل بعض أعضائها إلى أعلى المناصب في الشركات الغربية العالمية، (وهذا ما اشرت إليه في مدونة “الهند وتقريبًا مصر”)، وقامت هذه الجالية بدور هام في بناء علاقات عامة وصورة جيدة للهند في الولايات المتحدة، وكانت من القوى الدافعة لتقدم البلد الأم، الهند. لم تتكون جالية مصرية أو عربية مترابطة وموازية للجالية الهندية.
  • عندما نقارن الجالية الهندية مع الجالية المصرية في الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن الماضي، وقد عشت هذه التجربة، نلاحظ أن الهنود أكثر ترابطًا مع مواطنيهم الهنود في مجتمعهم الجديد، يجتمعون معهم بإنتظام، ويسعون إلى التعرف على القادمين الجدد منهم، وكثير منهم كانوا يلبسون الزي الوطني، وفي هذا كانوا يختلفون عن المصريين الذين لم يحتفظوا بزي وطني، ولا يحاولون التعرف أو الترابط مع إخوانهم المصريين الجدد. تفكرت كثيرًا في هذا الاختلاف، ووصلت إلى قناعة أن السبب هو أن المصريين لا يقابلون في حياتهم كوارث طبيعية مثل الفيضانات والزلازل والبراكين، ولأن هذه  الكوارث أقوى من المواطنين فهي تجعلهم يتجمعون ويترابطون معًا ليتغلبوا على أثارها، وفي عدم وجود هذه الكوارث على مدار السنين ينغلق المواطنون على أصغر وحدة تجمعهم وهي العائلة، فيحدث انغلاق عائلي أو amoral familism وهو ما وصفه إدوارد بانفيلد في كتابه The Moral Basis of a Backward Society by Edward Banfield أو “الأساس الأخلاقي لمجتمع متأخر” وهي الحالة التي وجدها في جنوب إيطاليا واعتبرها السبب في فقر المواطنين هناك لأن انغلاقهم على عائلاتهم مع تقوية العلاقات داخل العائلة واضعافها خارج العائلة يجعل المجتمع يضعف ويفتقر. وفي اعتقادي أن المصريين إلى حد ما يعانون من حالة انغلاق عائلي.    

نتج عن انفتاح الهند وابتعادها عن الاشتراكية أنها نمت بمعدل يقترب من 10% لمدة تقارب العشرين عامًا، واعتبرت مثالاً للبلاد النامية، وكما اوضحت في المدونة السابقة وفي هذه المدونة كان من اسباب نموها مجموعتان من الأسباب: أولاً، القرارات التي اتخذها مانموهان سنج وهي أنه:

  • جعل الاقتصاد ينفتح أمام الاستثمارات الأجنبية والتجارة،
  • وفكك ضوابط الاستيراد،
  • وخفض الرسوم الجمركية،
  • وخفض قيمة العملة،
  • وألغى إلى مدى كبير ضوابط التراخيص على الاستثمارات الخاصة،
  • وخفض معدلات الضرائب،
  • وكسر الاحتكارات في القطاع العام،

وثانيًا، طبائع الهند التي كانت تؤهلها للنمو والتقدم: مثل معرفة نسبة كبيرة من السكان للغة الأنجليزية، التجربة الديمقراطية التي دامت أربعين عامًا حينذاك، والجالية الهندية-الأمريكية التي كانت تحث الحكومات الهندية على النمو.

ولكن في السنة الماضية حدثت تغيرات عميقة في حالة الاقتصاد الهندي أهمها أن النمو اصبح نصف ما كان عليه من قبل! توالت الأسئلة والتكهنات لسبب هذا الانخفاض في النمو؟ وهل يعني هذا أن الهند لم تصبح مثلا للبلاد النامية الأخرى؟ وهل هناك بلاد أخرى تصبح مثلاً أفضل من الهند؟ ما هي ولماذا؟

هنا قالت شهرزاد: “ابقوا معنا، فالموضوع مهم”، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

Leave a Reply

Your email address will not be published.