الصفحة الرئيسية » الهوية والحب غير المشروط

الهوية والحب غير المشروط

عندما بدأنا نقدم برنامج “أنا ونحن” في المدارس ومراكز الشباب منذ تقريبًا عشر سنوات وبدأت أذهب لاحتفاليات تخرج أطفال البرنامج استوقف نظري شيء استغربته: تبدأ الاحتفالية بتلاوة القرآن، وغالبًا ما يتلوه طفل من أطفال البرنامج، ثم نبدأ في برنامج الحفل، وينتهي الحفل بتوزيع الشهادات والجوائز.

لا نشيد وطني أو أي شيء يدل على هوية المكان.

كنت أتساءل: أين أنا؟

هل أنا في مصر؟ لم يكن هناك ما يدل على ذلك.

أحيانًا كان الأطفال يقدمون قصيدة عن القدس وفلسطين أو عن الأم في عيد الأم، ولكن كان هناك إهمالاً كاملاً للوطنية المصرية.

كنت قد رجعت من الولايات المتحدة بعد أن مكثت فيها عشرات السنين، وكان مازال أمام أعيني منظر فصول المدارس الأمريكية حيث نجد فيها علم البلاد، وكل شيء في المدرسة يؤكد للطفل أن يحترم علم بلاده، وأن يحب بلاده.

 تذكرت احتفالية حضرتها في المدرسة الأمريكية في لندن حيث يدرس أحفادي. كانت الاحتفالية لتعليم الأطفال تقدير موسيقى البيانو الكلاسيكية.

بدأ الحفل بنشيد الولاء الأمريكي! ووقفنا جميعًا للنشيد الأمريكي ولم نكن في أمريكا بل كنا في لندن. فقد كانت المدرسة تؤكد على هويتها، فهي مدرسة أمريكية، وهنا في مصر لم يكن هناك تأكيد على الهوية المصرية، على حب مصر حبًا غير مشروط.

موقف صعب، وفي نظري، زادته صعوبة القصة التالية:

منذ حوالي أربع سنوات بعثنا مدربًا ليدرب مدرسين في محافظة في الصعيد.

جاءني المدرب بعد التدريب ليقول: “عندما قدمت للمتدربين جزء “الحب غير المشروط”، وأن حب الوطن مثل حب الأم هو حب غير مشروط، نحب وطننا كما نحب أمنا دون أن نحتاج لسبب لنحبهم، نحبهم فقط لكونهم وطننا أو أمنا، عندما قلت هذا الكلام، يا دكتورة سهير، احتجت مشرفة وزارة التربية والتعليم وقالت في حضور مدرسي الوزارة “أنت يا استاذ تريدنا أن نعلم الأطفال أن يحبوا مصر حبًا غير مشروط، ومصر لم تعمل لهم شيئًا؟” لقد صعقت يا دكتورة سهير من كلامها، هذه السيدة مشرفة في الوزارة، وزارة التربية والتعليم!!”*

وأنا أيضًا، صعقت.

كان هذا منذ حوالي أربع أو خمس سنوات.

بعد هذا الحادث طفح بي الكيل فكنت لا اسكت عندما تبدأ احتفالية تخرج  في مركز شباب دون النشيد الوطني، وبالفعل تجاوب معنا ميسرو البرنامج واصبحت كل الاحتفاليات تبدأ بالنشيد الوطني.

ثم جاءت الثورة، وكما رأينا جميعًا، كانت صحوة وطنية، وسمعنا الأناشيد التي تتغنى بحب مصر، وفي نهاية عمل لجنة الخمسين للدستور، وقف الجميع وهتفوا “تحيا مصر” بعد النشيد الوطني.

هنا قالت شهرزاد: “الحمد لله صحي الحس الوطني بعد أن خشينا أن يكون قد ضاع عندنا وعند شبابنا، ولكن، يجب ألا نكتفي بذلك، يجب أن نعمل دئمًا على تنميته” وسكتت عن الكلام المباح.  

د. سهير الدفراوي المصري

Leave a Reply

Your email address will not be published.